04‏/07‏/2009

أزمة الرأي العام في مصر 1-3

يعاني المجتمع المصري الآن من غياب الرأي العام والذي يمكن تعريفه بوجهة النظر التي يتبناها نسبة كبيرة من الناس تجاه قضية معينة، فتتشعب الآراء ووجهات النظر وتكثر التفسيرات، ويحدث جدال عميق داخل المجتمع يعطله عن التقدم، وما اكتبه هنا هو محاولة لرصد أسباب هذه الأزمة، ونظرا لطول المقال فسأقوم بتقسيمه لثلاثة أجزاء.

1-غياب الرموز:

عندما تغيب الرموز في المجتمع فهو ينقسم على نفسه، وأقصد بالرموز هنا الشخصيات العامة التي تتمتع باحترام ومصداقية لدى نسبة كبيرة من الناس وهي تلعب دور البوصلة داخل النخب، والنخب هنا ليست نوعا من التمييز ولكن كل مجال له مجموعة من الأشخاص المتخصصين والمهتمين به، فهناك النخب السياسية والرياضية والعلمية مثلا.

وهناك وجهتي نظر في هذا الشأن هما المسئولتين عن غياب الرموز، وجهة النظر الأولى هي "التقديس" وصنع صورة مثالية بلا أي أخطاء أو عيوب وهو ما ينافي الطبيعة البشرية، فلا يوجد شخص بدون أخطاء أو عيوب، ولا مانع أن يكون الرمز كذلك، فالكثير من الرموز في تاريخ مصر يعاب عليهم بعض الأخطاء، فأحمد عرابي هو أحد الرموز التاريخية لمصر ولكن ذلك لا يمنعنا من نقده في بعض أخطائه في إدارة الصراع، وكذلك سعد زغلول هو رمز مصري برغم ما يتردد عنه أنه كان يعاقر الخمر، فالخلاصة أنه لا يوجد شخص مقدس أو منزه، وما يفعله بعض الناس من تقديس لهؤلاء الرموز ورفعهم إلى مرتبة الأنبياء يدفعهم إلى الدفاع عن أخطائهم مهما كانت فداحتها، وذلك يسيء إليهم أكثر مما يحسن.

وجهة النظر الأخرى وهي تعتبر رد فعل للأولى ونتيجة طبيعية لها، وهي "تحطيم الرموز" فتظهر تيارات واتجاهات معادية للرموز وتعمل على سرد أخطائها وتكبيرها، سواء كان ذلك بحسن أو بسوء نية، ولأنه لا يوجد شخص بلا أخطاء أو عيوب كما قلنا فكل الشخصيات قابلة للتحطيم، وذلك بعد التضخيم والتهويل وأحيانا التدليس، ولا شك أن المصالح السياسية تلعب دورا كبيرا في هذا الاتجاه ، خاصة لو كان النظام الحاكم له مصلحة في ذلك (دعونا نتذكر أن النظام بلا أيدلوجية أو مرجعية ثابتة سوى مصالح الأفراد الذين يتحكمون في النظام)، لأنه يملك سلطة ابعاد الرموز خارج البلاد ومنعهم من حق الرد أو الدفاع عن أنفسهم، هذه السياسة بدأت في عهد السادات وكانت موجهة في الأساس ضد الفترة الناصرية ثم نمت حتى أصبحت أسلوبا معترفا به ومدرسة فكرية كبيرة، أيضا تغير البنية الاقتصادية للشعب المصري وظهور مجموعة من رجال الأعمال وأصحاب المصالح الذين يبذلون كل الجهد للدفاع عن مصالحهم وتحسين صورتهم في الإعلام ولو بقلب الحقائق وتزييف الأدلة لإقناع البسطاء، كل ذلك يؤدي إلى انعدام ثقة الناس في الرموز والشخصيات العامة.

ليست هناك تعليقات: