06‏/07‏/2009

أزمة الرأي العام في مصر 2-3

2-تغليب المصالح والأيدلوجيات:

توسعت الفكرة في عمق المجتمع المصري، فنادرا ما تجد قضايا يكون في للرأي العام موقفا واضحا ومحددا اللهم إلا قضايا الفساد، ويظل الجدل مشتعلا لفترات طويلة بين المجموعات والآراء التي تكونت حول القضية، والأن أصبحت قضايا الفساد تدخل في هذا الجدل وتجد من يدافع عن الفاسدين لأغراض في نفسه، ومن يتظاهر بالوقوف في موقف المحايد ومن تختلط عليه الحقائق، ومن يرسم سيناريوهات لمؤامرة كبرى تجري، وتظهر عشرات التفسيرات والتخمينات

ويبدوا هذا التفسخ في موقف الرأي العام واضحا للغاية في عدة مواضع، ونأخذ مثالا على ذلك وهو العلاقات الخارجية المصرية وموقف مصر من الدول الأخرى، فمثلا بعد أن كان الثابت هو معاداة الكيان الصهيوني باعتباره كيان غير شرعي يهدد الأمن القومي المصري ويحتل أرضا عربية، اصبح هناك من ينادي بالتطبيع والصلح ومع الكيان وأصبح من يسافر للعمل هناك ويتزوج من صهيونيات ومن يستورد منهم السلع والبضائع ومن يقيم علاقات ثقافية، هذه المجموعات التي تحكمها في الغالب المصالح الاقتصادية تحاول تبييض وجهها وإثارة الجدل حول قضيتهم في محاوله لنيل الشرعية أو على الأقل لشق موقف الرأي العام بين مؤيد ومعارض، وهذا الاختلاف يفسر دائما لصالحهم، فمادام الموضوع فيه خلاف وليس محسوما فهو يخضع لوجهات النظر وكل شخص يتصرف حسب وجهة نظره.

ونجد الكثير من القضايا والمواقف التي يمكن حسمها بكلمة واحدة استنادا إلى ثوابت المجتمع وثقافته، نجدها توسعت وتشعبت وأثارت جدلا عميقا يضرب إلى جذور المجتمع.

على الجانب الآخر نجد بعض الأيدلوجيات أو المرجعيات التي تتفق مع هؤلاء في مواقفهم فمثلا أصحاب الفكر الفرعوني الذين ينادون بمصرية مصر وعزلها عن الأمة العربية لا يرون مانعا في التعامل مع الكيان الصهيوني بل ودعمه في سحق حركات المقاومة "الأصولية" التي تهدد السلام لا لشيء إلا لمجرد الاختلاف معهم في المرجعيات، وهذا هو ما يصنع الجدل داخل المجتمع فعلا لأنه عندما يؤيد بعض المفكرين أو المثقفين فكرة ما فأنها تكتسب ثقلا لدى الناس ويتولد النقاش سواء على مستوى النخب أو العامة

كذلك نجد المنابر الإعلامية المحلية والفضائية تفرد مساحات لهؤلاء ليعبروا عن آرائهم على حساب أصحاب الرأي المخالف المدافعين عن ثوابت المجتمعي مالخالفأي ، وذلك إما بسبب أن هذه المنابر تخضع لرجال أعمال ومجموعات مصالح، أو لأن الفكر الإعلامي السائد الأن هو تبني القضايا الساخنة التي تثير الجدل وتجذب أكبر عدد من المشاهدين، بل أصبح رجال الأعمال وأصحاب المصالح يعبرون عن آرائهم مباشرة دون الزج بالفكرين والكتاب وأشهر مثال على ذلك هو البرنامج الذي يقدمه رجل الأعمال نجيب ساويرس وأحد أعمدة النظام الاقتصادي في مصر.

وإذا ما نظرنا للقضايا الخارجية المصرية في مجملها نجد العديد من المدارس الفكرية فهناك أصحاب الفكر الفرعوني الذين سبق ذكرهم، وأصحاب الفكر القومي، وأصحاب الفكر الإسلامي، وأصحاب الأفكار الليبرالية والماركسية، كل يتكلم في القضية من منظوره ووفق أيدولوجيته، متجاهلين حقائق وأسس ثابتة يجب أن يستند إليها الجميع، فتجد من يقف ضد المقاومة لأنها إسلامية، ومن يقف أمام التقارب بين الدول العربية لأنه فكر قومي و..و..

ثم تأتي المرحلة الثانية من الجدال التي يشتعل فيها الجدال ويصل الطرفين إلى طريق مسدود وهي الخلاف على المرجعية فيتم شخصنة الحوار ويصبح السب والتجريح هو السيد ويخرج الجميع عن مسار القضية الأصلية مما يتيح للنظام الحاكم فرض رؤيته وتصوره على الشعب وتصوير الباقين على أنهم مجموعة من الغوغاء ليس لديهم نضوج ديمقراطي (قالها أحمد نظيف يوما: الشعب المصري لم ينضج ديمقراطيا)، وهذا ما يقودنا إلى العامل الثالث في تفكك الرأي العام وهو عدم وجود ثقافة للحوار.

ليست هناك تعليقات: