08‏/03‏/2010

استراتيجية الدعاء

كنت أنوي طرح هذا الموضوع في مدونتي الأخرى التي اكتب فيها ماليس له علاقة بالسياسة ولكن لأهمية هذا الموضوع واتصاله بالقضايا السياسية وجدت أنه مناسب هنا

ملحوظة: هذا الموضوع قد يبدو سوداويا وصادما وهو يعتبر استكمالا للموضوع السابق (عايز تاخد ثواب ببلاش)
---------------------------

الدعاء سلاح المؤمن... للأسف كلمة حق أريد بها باطل، فالكثيرون يقصرون فهم هذه العبارة على الاكتفاء بالدعاء، وهذا نابع من الفهم الخاطئ لاستراتيجية الدعاء، فالدعاء من الممكن أن يكون هو الوسيلة الوحيدة (في حالة دعوة المظلوم المستضعف الذي لا يقوى على أخذ حقه)، ويمكن أن يكون عاملا مساعدا (وذلك في كل الحالات الأخرى) فلا يمكن الاستغناء عن الدعاء بأية حال من الأحوال، ولكن فكرة تعطيل العمل واللجوء للدعاء فقط (مع القدرة على العمل) ليست صحيحة اطلاقا، فلو سألت مثلا أحد هؤلاء هل يستطيع وهو بكامل صحته أن يجلس في منزله ويترك عمله ويقول يارب اطعمني ويارب ارزقني؟ وهو لدية القدره على العمل ولدية الفرصة المناسبة؟ هل يمكن للطالب أن يترك استذكار دروسه ويقول يارب وفقني في امتحاني؟ الإجابة ستكون أن هذا هو صورة صريحة من صور التواكل، إذن فلماذا تفعل ذلك وتترك فرصتك في تغيير كل ماهو حولك؟ لماذا تكتفي بالدعاء على الظاملين وأنت تملك القدرة على مواجهتهم؟ ولماذا تكتفي بالدعاء لتحرير الاقصى وتحرير الأراضي الإسلامية وأنت يمكنك أن تحررها؟ هنا لا تجد إجابة

وعلى هذا الاساس تجد الكثيرين ممن ركنوا إلى استراتيجية التواكل ظنا منهم أنهم مستضعفين أو ضعفاء ولكن هذه ليست هي الحقيقة بل هي وسيلة لإراحة الضمير وتبرير التخاذل والوهن

وتجد بعض من لديهم القدرة على حشد الناس وتحفيزهم يطلقون دعاوى تستفزني بشدة، فتجد من يقول: لنصوم جميعا يوم كذا ولنبتهل إلى الله وندعو أن يحرر المسجد الاقصى، أو لنقوم الليل وندعو الله بكذا وكذا، وهم بهذا يخلطون بين "الدعاء" وبين "التواكل"، ويخلطون بين احتلال الاقصى مثلا وجيش أبرهة الحبشي الذي جاء لهدم الكعبة، ولكن للأسف يبتجاهلون (بحسن أو بسوء نية) أن الحل الإلهي لم يظهر إلا عندما لم يكن هناك من بتصدى لأبرهة بقوته وجبروته

وهنا أجد من الضروري أن أبين حقيقة التوكل لهؤلاء، والأمثلة كثيرة من السنة ومن السيرة ولكن اكتفي بهذه الأمثلة الثلاثة:

الحديث الشريف " لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لزرقكم مثلما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا"

المعنى واضح ولكني هنا اريد استخلاص النقطة الأخرى وهي الخروج لطلب الرزق، فالطيور الذي ليس لديها عقل أو قدرة على الفعل، وليس لديها مصدر ثابت للدخل، والتي تعتبر عاجزة في نظر الكثيرين، لا تجلس في مكانها منتظرة أن يهبط عليها الرزق من السماء بل تخرج وتسعى برغم أنها لا تدري إلى أين تذهب أو ماذا تفعل

والرزق هنا برغم أنه هنا مقصود به الطعام أو الغذاء، إلا أنني أرى أن هذا الحديث يصلح لأن يكون شاملا لكل الحياة، فقد لا يمتلك الناس القدرة أن الوسائل الكافية للفعل، ولكن بالعمل والتوكل معا يمكن الوصول إلى النتائج

2- الحديث الشريف الذي يعرفه الجميع :"اعقلها وتوكل"، فعندما وقف رجل عند المسجد واراد الدخول ولم يدر ماذا يفعل بناقته فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم "أعقلها وأتوكل أو أطلقها وأتوكل" فكانت الإجابة "اعقلها وتوكل" ، أي أن التوكل لا يمنعك من الأخذ بالأسباب، أو ما اسميه هنا بالقدرة على الفعل، وأن الأخذ بالاسباب لا يعد انتقاصا من التوكل على الله بل هو شرط أساسي

3- المثال الأوضح على الاطلاق هو الهجرة النبوية، فكان بإمكان الله سبحانه وتعالى (وهو على كل شيئ قدير) أن ينقل النبي من مكة إلى المدينة في غمضة عين ودون أي تعب أو مجهود، ولكن سنن الله في خلقه وأهمية الأخذ بالأسباب كانت سببا في اتباع الطريقة البشرية في التخطيط والتنفيذ، وبرغم كل ذلك استطاع المشركين أن يصلوا إلى مكان اختباء الرسول صلى الله عليه سلم ومعه سيدنا أبا بكر، وهنا ظهر معنى التوكل أو التوفيق من الله فلم يرهما أحد

نكتفي بهذا القدر ولنا عودة إن شاء الله .