26‏/10‏/2010

مالكولم اكس بين المقاومة واللاعنف

هذا المقال تم نشره على صفحة اتحاد الشباب الإسلامي على الفيس بوك، في اطار الاحتفاء بمالكولم كشخصية للشهر
رابط المقال هنا


لا شك أن ما تعرض له مالكولم اكس له أثر كبير على اصراره على تحدي العنصرية، فقد قتل أباه بأيدي العنصريين البيض، وفقد اربعة من أعمامه بنفس الطريقة، وقاسى – مثله ككل السود- من الاضطهاد والعنصرية، ولكن مالكولم اكس قام بتحويل هذه الطاقة السلبية إلى طاقة ايجابية، وأصبح من أشهر الشخصيات واكثرها تأثيرا في القضاء على العنصرية في أمريكا.
يطرح مالكولم اكس مفهوم المقاومة كبديل عن فكرة اللاعنف التي كان ينادي بها مارتن لوثر كينج، والمقاومة هنا تعني دفع الظلم والدفاع عن المستضعفين حتى ولو باستخدام القوة، ويرفض تماما فكرة تلقى الضربات في صمت وصبر، في الوقت الذي يتعرض فيه السود لعمليات اعتداء منظمة من قبل العنصريين، فيقتلون ويشردون وتدمر ممتلكاتهم فقط لأنهم سود البشرة، وكانت هناك العديد من الجماعات العنصرية المسلحة مثل جماعة "الكوكلوكس كلان"، ويرى عددا من المؤرخين أن أسلوب المقاومة هذا قد أتى بثمار كبيرة، وهنا نحن نحاول أن نلقي نظرة عن مفهوم مالكولم للاعنف ومدى تطابقه مع الرؤية الإسلامية.

يقول مالكولم: 
" نحن غير عنيفين مع من لا يستعمل العنف معنا"
"We are nonviolent with people who are nonviolent with us."

ويقول أيضا:
" بخصوص اللاعنف ، أنها لجريمة أن لا تعلم المرء أن يدافع عن نفسه، في حين أنه مستهدف دائما بالاعتداءات الوحشية"
"Concerning nonviolence, it is criminal to teach a man not to defend himself when he is the constant victim of brutal attacks."

ويقول:" إذا كان من الخطأ أن تكون عنيفا في الدفاع عن النساء والأطفال والرضع والرجال السود، إذا فهو من الخطأ أن تحثنا أمريكا على استخدام العنف للدفاع عنها"
"If it is wrong to be violent defending black women and black children and black babies and black men, then it is wrong for America to draft us, and make us violent abroad in defense of her".

ويقول أيضا:" صحافة الرجل الأبيض قد نعتتني بأنني أشد السود غضبا في أمريكا، وأنا لا أنفي هذه التهمة، أنا اتكلم كما أشعر بالضبط، وأؤمن أنها لجريمة في حق أي شخص يتعرض للعنف في أن يقبل هذا العنف دون أن يدافع عن نفسه، أنا مع العنف إذا كان اللاعنف يعني تأجيل حل مشكلة السود في أمريكا"
The American white man’s press called me the angriest Negro in America. I wouldn’t deny that charge; I spoke exactly as I felt. I believe in anger. I believe it is a crime for anyone who is being brutalized to continue to accept that brutality without doing something to defend himself. I am for violence if non-violence means that we continue postponing or even delaying a solution to the American black man’s problem.

ويقول:" ليس لدي أي رحمة أو تعاطف تجاه المجتمع الذي يسحق الناس، ويعاقبهم من أجل أنهم لا يستطيعون الوقوف أمام الضغوط الثقيلة".
I have no mercy or compassion in me for a society that will crush people, and then penalize them for not being able to stand up under the weight.

وبذلك يخالف مالكولم مفهوم اللاعنف، والذي كان يطرحه مارتن لوثر كينج، ولكنه في نفس الوقت لم يكن على عداء معه، بل كان يوضح أنهما يطمحان لتحقيق نفس الهدف، ولكن بمنهج وطريقة مختلفة، فكان يقول:" الدكتور كينج يسعى لتحقيق ما أسعى إليه وهو الحرية"
"Dr. King wants the same thing I want. Freedom."

ويقول ساخرا:" اريد من الدكتور كينج أن يعرف أنني لم آت لأصعب مهمته، لقد أتيت وأنا افكر كيف أجعلها أسهل، فلو لاحظ البيض البدائل التي أطرحها، فلربما يصبحون أكثر رغبه في الاستماع لكينج"
"I want Dr. King to know that I didn't come to Selma to make his job difficult. I really did come thinking I could make it easier. If the white people realize what the alternative is, perhaps they will be more willing to hear Dr. King."

وقد اشتهرت في ذلك الزمن صورة مالكولم وهو يحمل سلاحا ويقف خلف نافذة منزله دفاعا عن أسرته وممتلكاته، وهي صورة تعني الكثير في رأيي، فهو لا يدعو لاستخدام العنف على اطلاقه، بل هو عنف مقنن مرتبط بالدفاع عن النفس، فإذا كان هناك شخص ما يعتدي علي ويحاول قتلي فن حقي أن ادافع عن نفسي وعن أهلي وعن أسرتي.

وتتضح الفكرة تماما عند مالكولم في مقولته الشهيرة:" لا يوجد ماهو في كتابنا –القرآن – ما يدعونا لكي نعاني في هدوء، ديننا يعلمنا أن نكون أذكياء ومسالمين ومهذبين ومطيعين للقانون وأن نحترم كل الناس، ولكن لو حاول أحد الاعتداء عليك فارسله إلى المقبرة، هذا دين جيد، في الحقيقة هو دين لكل زمان"
there is nothing in our book, the Quran, teaches us to suffer peacefully, our religion teaches us to be intelligent, be peaceful, be courteous, obey the law, respect every one, but if someone puts his hand on you, send them to the cemetery, that is a good religion, in fact that is all time religion.

فهو هنا لا يخرج عن النظام والإطار العام للمجتمع، ويقر قواعد مثل التهذيب والاحترام وطاعة القانون والمسالمة، ويرى أنها نابعة من الإسلام في الأساس، ولكن المسالمة لا تعني الاستسلام، فلو قام أحد بالاعتداء عليك فيجب أن ترد ذلك الاعتداء.
هذه الرؤية تتطابق مع الرؤية الإسلامية لمفهوم اللاعنف، فالإسلام يدعو إلى دفع الظلم وكف الأذى والضرب على يد الظالم، وفي نفس الوقت يدعو لعدم الاعتداء دون وجه حق، فنجد في القرآن الكريم:

عدم الاعتداء:

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" المائدة 87

"وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" البقرة 190

"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ اللَّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" المائدة اية 2

الدفاع عن النفس ورد العدوان:

"الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِين"َ البقرة 194

وفي السنة النبوية الشريفة نجد أيضا:

الدفاع عن الأرض والعرض والمال:

"من قتل دون ماله فهو شهيد . ومن قتل دون دينه فهو شهيد . ومن قتل دون دمه فهو شهيد ، ومن قتل دون أهله فهو شهيد" حديث حسن

" من قتل دون ماله فهو شهيد" صحيح البخاري

"من أريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد" سنن الترمذي

"من قاتل دون ماله فقتل فهو شهيد ومن قاتل دون دمه فهو شهيد ومن قاتل دون أهله فهو شهيد" رواه بن حزم في المحلى
فهنا يضع الرسول صلوات الله عليه وسلامه، هذا الشخص الذي يدافع عن نفسه أو عن أهله أو عن ماله أو عن دينه في مرتبه الشهداء، وهو ما تتسق تماما معه أفكار مالكولم اكس.

دفع الظلم:

"انصر أخاك ظالما أو مظلوما. فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره؟ قال: تحجزه، أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره". صحيح البخاري

"إياكم و الجلوس على الطرقات، فإن أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها؛ غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر". صحيح الجامع

ولا شك أن دفع الظلم ومقاومته والأخذ على يد الظالم هي صورة من صور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو مبدأ أصيل في الإسلام، وقد وردت عشرات الآيات والأحاديث التي تؤكد هذا المبدأ نكتفي منها بهذا الحديث:

"لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يدي الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ولتقصرنه على الحق قصرا". سنن أبي داوود

وهنا لا يكتفي المسلم بالدفاع عن ما يخصه فقط، بل هو يسعى لدفع الظلم عن إخوانه ومعاونتهم.

ونختم حديثنا بمقوله مالكولم اكس أو الحاج مالك شباز رحمه الله، التي قالها في 29 فبراير 1965 قبل اغتياله بيومين:

"إذا كان الوقت قد حان الآن لسقوط الشهداء، وإذا كنت سأصبح أحدهم، سيكون هذا من أجل الأخوة.هذا هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن ينقذ هذا البلد".
If it is a time for martyrs now, and if I am to be one, it will be for the cause of brotherhood. That's the only thing that can save this country.

رحمه الله وتقبله من الشهداء

اتحاد الشباب الإسلامي
كريم عاطف