30‏/09‏/2011

العروبة التي ندعو إليها 2-2 هل نحن في حاجة إلى مشروع عربي؟

هذا المقال هو تكملة للجزء الأول العروبة والإسلام ومفهوم الانتماء ويمكن قراءته بشكل مستقل

جدير بالذكر أن أنوه إلى أنني كنت أعد هذا المقال منذ فترة طويلة ولكن بعد اشتعال الثورة العربية في العديد من الأقطار، احتجت المزيد من الوقت لأعيد صياغة الفكرة على ضوء الأحداث الأخيرة

---------------------------------------

خلصنا في الجزء السابق إلى أن الأمة الإسلامية – وهي النطاق الأوسع- تتكون من عدة أمم قومية، من بينها الأمة العربية التي تحمل خصوصية في كونها تشكلت بالإسلام، وفي كونها الأمة التي حملت دعوة الإسلام، والمسئولة عن حمل الدعوة وقيادة الأمة الإسلامية.

ولكن عندما ننظر إلى حال الأمة العربية نجدها قد تجزأت بفعل الاستعمار في القرن الماضي، وتقسمت إلى عدد من الأقطار، وتحدها الحدود التي وضعها المستعمر، وأصبحت هذه الحدود تمثل سيادة كل دولة قطرية، وانغمست كل دولة في مشاكلها وتحدياتها وحاولت أن تضع حلولا لهذه المشاكل، ولكن كانت دائما هذه الحلول تنطلق من أرضية التقسيم، فكانت حلولا قطرية أيضا، تعتمد فيها كل دولة على امكانياتها الخاصة لحل مشاكلها الخاصة، فالدول ذات نسب السكان العالية (مثل مصر) تتمتع بنسب عالية من البطالة، والدول ذات المساحات الزراعية الواسعة (مثل السودان) لا تجد من يزرعها، والدول التي تمتلك موارد وثروات هائلة (مثل دول الخليج) لديها نقص كبير في الموارد البشرية، فتصبح مصر دولة طاردة للسكان، وتصبح ثاني اكبر مستورد للقمح في العالم، وتظل أخصب الأراضي الزراعية في السودان معطلة، ويصبح العرب في بعض دول الخليج يشكلون أقلية من السكان!!!!! فتفشل جميع الحلول القطرية.


ولا شك أن هناك عوامل أخرى قد وقفت عائقا أمام الحل الوحدوي، منها طريقة التي تم ترسيم بها الحدود بين الأقطار العربية بيد المستعمر، والتي تركت مناطق نزاع وقسمت ابناء القبيلة الواحدة، والأمثلة على ذلك كثيرة لا اريد الاستفاضة فيها، ولكن من المؤكد أنه كان أمرا متعمدا، والعامل الآخر هو الأنظمة الديكتاتورية، والتي كانت تقف حائلا بين التكامل والتعاون بين الاقطار العربية، لأن ذلك يؤدي إلى الاستغناء عن الغرب، وبما أن هذه الأنظمة كانت تستمد وجودها من الدغم الغربي، فكانت تحافظ على مصالح الغرب وتعمل على تعطيل الحلول الوحدوية، وتجعلها مجرد حبرا على ورق، مثل السوق العربية المشتركة التي ظللنا نسمع عنها لسنوات طويلة ولم يكن لها أي وجود على الأرض، فقط يتردد اسمها في الإعلام من حين إلى آخر.


الحل إذن يجب أن يأتي في اطار الوحدة، لأن هذا هو الأصل، ولأن الأمة العربية بوحدتها لديها كل الموارد والثروات الطبيعية والبشرية التي تمكنها ليس من حل مشاكلها فحسب، بل من أن تكون قوة عظمى تقود العالم، وهذا ما أدركه المستعمر منذ زمن، وعمل على تقسيم الأمة في اتفاقية سايكس بيكو المشهورة، وعمل على زرع كيان معادي داخل الأمة يكون مانعا للوحدة.


على الجانب الآخر نرى أن الأمم القومية الاخرى داخل الأمة الإسلامية، تعمل على ايجاد مشروع قومي لها يكون امتداده واضح في المنطقة المحيطة، وتعمل على خلق وضع لها في المجتمع الدولي والتحالفات العالمية، وأوضح مثالين على ذلك هما المشروعين الايراني والتركي، وأرى أننا يجب أن نتحدث قليلا عن هذين المشروعين، ونتناول تصرفات تركيا وايران من المنظور الذي طرحته، مما سوف يفسر الكثير من الغموض والتناقض في المواقف بخاصة في الموقف الإيراني، فالموقف التركي ينظر إلى الأمة العربية المجزأة من منظوره تاريخي، ينظر لها باعتبارها كيانا واحدا، فنجده يتعامل بندية مع الأقطار العربية، ونجد تدخلاته هي محاولات للاصلاح أو حل المشكلات، ويريد أن يظهر أنه يسعى للتعاون مع الأمة العربية، ولا يظهر المشروع القومي التركي إلا في بعض الحالات القليلة، كقضية الأكراد مثلا، فنجده يتدخل تدخلا عسكريا في شمال العراق من حين إلى أخر، دون أي اعتبار لسيادة العراق، ويعتبر هذا الامر أمنا قوميا بالنسبة له.


أما عن المشروع الإيراني وهو الأكثر تعقيدا – وذلك لكونه مشروعا قوميا طائفيا- فهو أيضا ينظر إلى الأمة العربية من المنظور التاريخي، حيث كان هناك التنافس دائما بين القوميتين، الذي كان يصل أحيانا إلى حد العداوة، فالأمة الفارسية تنظر إلى الأمة العربية كمنافس، وترى أن عليها الاستفادة بكل الطرق من الواقع العربي المجزأ، وتقترب رؤيتها من رؤية المشروغ الغربي في هذه النقطة، إلا أنهما يختلفان في نقتطين، الأولى هي أن المشروع الغربي يسعى لتفتيت الأمة، فلا تكفيه التجزئة الحالية، بل هو يريد تفتيت الأجزاء القائمة، فلا مانع لديه من تقسيم العراق أو لبنان أو السودان، والنقطة الثانية أن المشروع الغربي يدعم الكيان الصهيوني ويعتبره حليفه الأساسي في تنفيذ مخططاته، وهذه النقطة قد تشكل نقطة التلاقي بين المشروع الفارسي والمشروع العربي، حيث أن كلاهما يعتبر الكيان الصهيوني عدوا له وخطرا يجب القضاء عليه.


فلو حاولنا تفسير الموقف الإيراني من هذا المنطلق، فنجد المشروع القومي الفارسي يسعى للاستفادة من دول الخليج، التي تسكنها نسبة كبيرة من الشيعة العرب، ويحاول أن يشكل مرجعية لهؤلاء الشيعة، وأن يبسط نفوذه في هذه الدويلات قدر الإمكان، ويجد منافسه في المنطقة هو السعودية، التي ترتبط بمصالح مباشرة مع أمريكا، وكذلك المشروع الفارسي يلعب دورا سيئا جدا في العراق، بينما في فلسطين نجده يدعم المقاومة الإسلامية السنية المتمثلة في حركتي حماس والجهاد، لأنه يعتبر الكيان الصهيوني عدوا له كما ذكرت من قبل، ونجده في لبنان يقف بين هذا وذاك، فهو يدعم حزب الله الذي يمثل المقاومة ضد الكيان الصهيوني، ولكنه في نفس الوقت حركة طائفية تقتصر الشيعة اللبنانيين وحدهم، وأخيرا موقفه من دعم النظام السوري ضد لثورة ومساعدته اعلاميا ولوجستيا في قمع الثوار.


الخلاصة أن المشروع التركي هو الأكثر قابلية للتعاون، بينما المشروع الفارسي يتلاقي مع الأمة العربية في بعض النقاط (العداء للكيان الصهيوني ودعم المقاومة)، ويتنافس في بعض النقاط (فرض النفوذ في الخليج)، ويصل غلى مرحله العداء في النقاط الأخرى (دوره في العراق وسوريا)، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا نقوم بتجزئة الموقف الفارسي بهذا الشكل؟ وهل يمكننا اعتبار ايران عدو أم صديق؟ الإجابة هنا تتمثل في غياب المشروع العربي الممثل للأمة العربية، أو بمعنى آخر غياب القيادة الموحدة التي تمثل الأمة العربية، فوجود هذه القيادة يمنع المشروع الفارسي من اتخاذ مواقف مجزأة، فإما التعاون والتحالف وإما العداء، ووجود هذه القيادة يقاوم التفتيت والتجزئة التي يفرضها علينا المشروع الغربي، ويستفيد من موارد الأمة العربية أقصى استفادة، والأهم من ذلك كله هو أن الوحدة العربية هي السبيل الوحيد لتحقيق الوحدة الإسلامية، وفي رأيي المتواضع أنه لن تتحقق أية وحدة إسلامية بدون وجود مشروع عربي إسلامي يحركها وينفذها، وهذا الرأي نابع من التاريخ والجغرافيا ومن نظرة الأمة الإسلامية إلى العرب، ومن كون الأمة العربية هي الأمة التي تتكلم لغة القرآن، والأمة المسئولة بصفة مباشرة عن حمل الدعوة وقيادة الأمة الإسلامية.


كيف يتم هذا المشروع؟


ننتقل الآن إلى كيفية تنفيذ هذا المشروع وتحقيق الوحدة العربية تحت راية الإسلام، الخطوة الأولى هي التحرر من الأنظمة القطرية الاستبدادية، والتي تقف عائقا في طريق الوحدة، وتكون الأولوية القصوى للأنظمة العميلة للمشروع الأمريكي الصهيوني خاصة والغربي عامة، ويقف على رأس هذه الأنظمة النظام المصري والنظام السعودي، يليهما في الأهمية النظام التونسي والجزائري ثم تأتي بعض الأنظمة الأخرى.


والخطوة الثانية هي تبني الأقطار المحررة لمشروع التحرير والوحدة، وفيجب عليها أن تدعم بكل قوة مشاريع التحرر في الأقطار الأخرى، وأن تدعم مشاريع مقاومة المحتل في فلسطين والعراق بكل السبل الممكنة.


الخطوة الثالثة هي تحقيق الوحدة، والوحدة هنا هي وحدة الشعوب وليس وحدة الأنظمة، يكون عن طريق التكامل الاقتصادي والسياسي والثقافي، وحل المشكلات بحلول وحدوية، وتكون الخطوة الأخيرة المتممة هي الغاء حدود سايكس بيكو الغاء نهائيا، وانشاء الدولة العربية الموحدة، ثم بعد هذا ننتقل إلى تحقيق مشروع الوحدة الإسلامية.


ولا شك أن الثورة العربية القائمة الآن لها انعكاسات كبيرة على المشروع العربي، فالشعوب التي عاشت لعقود طويلة تحت سلطة أنظمة مستبدة تابعة للغرب، قد انتفضت واحدة تلو الأخرى ضد هذه الأنظمة، ولا شك أن ما يحدث فرصة تاريخية للاقتراب من مشروع الوحدة، عندما نجد أعلام مصر ترفع في تونس وفي مصر، واعلام سوريا واليمن وتونس وفلسطين ترفع في مصر، ونجد كل الشعوب العربية تتضامن تتعاطف مع بعضها، ونكاد نستمع إلى صوت الشعوب التي لم تتلوث فطرتها وهي تنادي بالوحدة، فهذه هي الفرصة التاريخية، وهذه هي الخطوة الأولى على طريق الوحدة.


ليست هناك تعليقات: