17‏/04‏/2013

الخطوات النهائية لاحتواء الثورة في سوريا


عامين مرا على الثورة في سوريا، لم استطع فيهما كتابة أي شيء عنها،اعترف أنني حاولت اكثر من مرة ولكن كانت محاولاتي تنتهي بالفشل دائما، ربما لو كنتأديبا أو شاعرا لاستطعت أن أعبر عما في داخلي وعما أشعر به، ولكني لم استطع.

ما دعاني للكتابة هذه المرة عن الثورة في سوريا هو اقتراب سقوط بشارالأسد، وبداية دخول مرحلة جديدة وهي مرحلة ما بعد بشار، وهي التي يستعد لها كل الأطراف، والتي سوف تشهد صراعاً حقيقياً على الأرض، ولكن قبل أن ندخل في تفاصيل هذا الصراع، فيجب أن نلقي نظرة على الوضع العام في الأمة العربية، فقد نجحت أمريكا (والنظام العالمي) في احتواء الثورات العربية في كل من مصر واليمن وتونس وليبيا، عن طريق فصلهم كل على حدة ثم تثبيت أنظمة يسهل التفاهم معها أو ترويضها، فالنظام الموجود في ليبيا على قدر كبير من التوافق مع أمريكا وأوروبا بسبب تدخل حلف الناتو في انهاء الصراع، بينما في اليمن تم استيعاب الثورة وتولى نائب الرئيس، وهو السيناريو الذي لم ينجح في مصر أو تونس، فوصل الاخوان المسلمون وحركة النهضة إلى الحكم في كلا البلدين، أو ما يمكن أن نسميه بالمدرسة الإصلاحية الإسلامية، ودون الدخول في تفاصيل معقدة يكفي أن نقول أن أمريكا تمتلك الأدوات القادرة على استيعاب هذه المدرسة وتذويبها في النظام العالمي والضغط عليها وترويضها، وهو ما يتم بشكل أو بآخر في الوقت الحالي عن طريق بعض أطراف المعارضة وعن طريق القوة العسكرية للجيوش، ربما في مقال لاحق يمكننا أن نحاول معاً تفكيك التكتيكات التي تم اتباعها لاستيعاب الثورات العربية بالتفصيل الممل، وكيف تم ضبط الإيقاع بشكل متزامن في أغلب هذه الأقطار، ولكن الآن فقط نحاول أن نرى المشهد العام.

لماذا تأخر الحسم كل هذا الوقت في سوريا؟ المشكلة الأساسية في سوريا هي عدم وجود بديل لنظام بشار يسهل التفاهم معه أو ترويضه، والمشكلة الأخرى هي وجود طرف لا يقبل بسقوط بشار بأي ثمن (ايران)، وطرف آخر (روسيا والصين) يرى أن ما يحدث في سوريا هو صراع بينه وبين أمريكا على مناطق النفوذ، العامل الأول - عدم وجود بديل- كان سبباً في بطء ردود الأفعال الأمريكية والأوروبية، وذلك لحين تكوين"رأس" أو قيادة للثورة تتمتع بقبول شعبي وفي نفس الوقت يمكن التفاوض معها واخضاعها، وأيضاً في عنف نظام بشار الشديد واشتداد المعارك تدمير لجزء كبير من البنى التحتية في سوريا، يجعل من نظام بشار - إن نجا -  لا يشكل أي مقاومة أو اعتراض، ويجعل من قوى الثورة – اذا استلمت السلطة – في حاجة للدعم الاقتصادي وإعادة الإعمار، وكذلك تنشغل بمشاكلها الداخلية مما يحفظ أمن الكيان الصهيوني، وهو ما يدفع أمريكا وأروربا للسكوت عن الدعم الإيراني/ الروسي/الصيني المادي والعسكري – كما ذكرت في السابق - لإطالة عمر النظام قليلاً لحين ايجاد قيادة بديلة، ولانهاك البلاد من حيث البنية التحتية والاقتصاد.

العامل الثاني – الموقف الإيراني الروسي الصيني - كان مانعاً يحول بين التدخل العسكري لحلف الناتو وحسم الأمور بمنتهى السرعة، فأي تدخل عسكري أجنبي في سوريا قد يؤدي إلى حرب إقليمية تدخل فيها أطراف كثيرة، وقد يؤدي إلى حالة رهيبة جداً من الفوضى التي لا يمكن السيطرة عليها.

للأسف تم استخدام الاخوان في مصر كأحد أدوات احتواء الثورة في سوريا، وذلك بعد أن تم استخدام المجلس العسكري في احتواء الثورة في ليبيا، فمصر الثورة كان من المفترض أن تخصص جزء كبير من اهتمامها لدعم الثورات العربية الأخرى، على الأقل سياسيا، ولكن للأسف لم يحدث ذلك لعوامل كثيرة، أهمها انشغال الاخوان في الداخل في الأزمات السياسية والاقتصادية المتتالية (بعضها بفعل فاعل والبعض الآخر بسبب أخطائهم)، وأيضاً عدم رغبتهم في التصادم مع المصالح الأمريكية في المنطقة لحين ثتبيت أرجلهم في النظام. طبعا لن اتكلم هنا عن السعودية وقطر والإمارات والأردن الذين هما الأذرع السياسية والاقتصادية والأمنية لأمريكا في احتواء الثورات العربية لأن دورهم واضح جداً ولا جدال فيه، ولأنهم في الأساس أنظمة عميلة للغرب، وطبعا لايمكننا أن ننسى الدور التركي – فهو دور محوري جداً – وهو التحكم في كميات السلاح وأعداد المقاتلين الداخلة إلى سوريا، وذلك بعد أن تحولت إلى قبلة للشباب المجاهد المتحمس من كل أقطار العالم الإسلامي.

نعود مرة أخرى للمشهد في سورياً، فبعد أن أخذت الثورة في سوريا الطابع المسلح – وهو أمر طبيعي بعد أشهر عديدة من المذابح في ظل الصمت العربي والدولي-وبعد محاولات متكررة لإيجاد قيادة للفصائل المقاتلة تحت اسم جيش الحر، لم تستطع أمريكا وأذرعها من الأنظمة الموالية إيجاد هذه القيادة، وذلك لأن هذه الفصائل – أو الكتائب – تعمل بشكل لا مركزي، بعضهم قد انفصل عن الجيش النظامي، وبعضهم تكون من المدنيين المتضررين، لا تجمعهم قيادة مركزية موحدة، فقط يجمعهم اسم "الجيش السوري الحر"، ومع الوقت تمايزت هذه الفصائل، بعضها اتحد سوياً ليكون"ألوية" تحت نفس الاسم، ومع مرور الوقت أكثر ظهرت بعض الرايات الأخرى التي تحمل طابعاً "جهادياً" مثل كتائب أحرار الشام – التي اندمجت فيمابعد داخل الجبهة الإسلامية السورية - وجبهة النصرة لأهل الشام (وهي الأكثر"راديكالية" والأكثر تدريباً وتفوقاً في المعارك)، وذلك مع استمرار وجود بعض الكتائب التي تحمل طابعاً جهادياً داخل الجيش الحر بتكوينه اللامركزي.

ماذا يحدث في المرحلة الحالية؟
على جانب أمريكا والأنظمة العميلة: فبعد محاولات عديدة لايجاد قيادة –عسكرية وسياسية – للثورة، أصبح هناك قائداً عسكرياً (رياض الأسعد) وأصبح هناكممثلاً سياسياً (الائتلاف السوري المعارض) وتم تصدير "معاذ الخطيب" رئيساً لهذا الائتلاف، وهو رجل يبدو "اسلامياً" في سمته وفي لغته، واعترفت جامعة الدول العربية بهذا الائتلاف ممثلا عن سورياً موخراً، وجلس معاذ الخطيب على مقعد سوريا في الجامعة في 27 مارس 2013، أما من الناحية العسكرية، فهناك ضرورة قصوى للسيطرة على القوات المقاتلة على الأرض، فعلى ما يبدو وعلى حسب المعلومات المتوافرة، يجري اعداد الكتائب المدعومة من الحلف الأمريكي (أمريكا – قطر –السعودية - الأردن) على قدم وساق للمعركة الحاسمة ضد الكتائب الإسلامية التي تشكل خطورة، وفصل هذه الكتائب عن بقية الكتائب المقاتلة فكان القرار الأول هو وضع جبهة النصرة وكتائب أحرار الشام على قوائم الإرهاب الأمريكية، وهناك أسلحة نوعية تدخل –عن طريق الأردن - في مخازن سرية، وأموال طائلة يتم تحضيرها لدعم المعركة – من السعودية وقطر، وعلى الناحية المخابراتية، فتقوم الكثير من أجهزة المخابرات العربية، وتحديداً السعودية والأردنية وربما المصرية أيضاً بجمع المعلومات عن العناصر والقيادات لاستهدافهم في الوقت المناسب، ثم تأتي المرحلة الختامية، وهي مرحلة تغيير الوجوه، في محاولة اغتيال "رياض الأسعد" بسبب موقفه من جبهة النصرة، وتعيين وجه جديد كرئيس للحكومة الانتقالية التابعة للائتلاف "غسان هيتو" وهو مواطن أمريكي بالمعنى الحرفي، مع الابقاء على معاذ الخطيب – بعد تهميش دوره –لاستخدامه كواجهة إسلامية معتدلة لجذب واستيعاب المجموعات الإسلامية الصغيرة التي لا تتفق مع فكر "القاعدة"، خصوصاً وأن الكثير من مؤيديه يلقبونه بالشيخ، مع التخلص منه في الوقت المناسب فيما بعد عند انتهاء دوره.

ما هو المتوقع أن يحدث بعد ذلك؟ من المتوقع في الأيام القادمة حدوث صراعات على مناطق النفوذ للسيطرة على أكبر مساحة من الأرض قبل سقوط النظام، وذلك بين الكتائب المدعومة أمريكياً والكتائب المعادية للمشروع الأمريكي، وبعد أن تتم السيطرة على أغلب المناطق الهامة استراتيجياً، تحدث المعركة النهائية لاسقاط النظام (الساقط أساساً)، وربما تتم بشكل "هوليودي" استعراضي، ويظهر للناس أن النظام قد سقط وأن عهد الحرية قد بدأ، ثم يفاجأ الناس بمعارك ضارية بين الفصائل المحاربة لبشار، ويتم اعلامياً اظهار الكتائب المعارضة للهيمنة الأمريكية بأنهم مخربين، واستدعاء الصورة الذهنية لتنظيم القاعدة "الإرهابي الشرير"، ويتدخل السي آي إيه وأجهزة المخابرات العربية لتصفية العناصر الخطرة لتقصير المعركة، ثم بعد ذلك يتم اخضاع كل الفصائل المحاربة لنظام بشار تحت قيادة النظام الجديد، وتقوم الأنظمة العربية بمحاصرة كل المقاتلين الهاربين وتصفيتهم حتى لا تتكون بؤرة أخرى للجهاد في المنطقة. ويبدأ عهد اعادة الاعمار والشركات الرأسمالية الكبرى، ويكون أكبر انجاز حققته الثورة هو "الديمقراطية الأمريكية الزائفة"، وسوف يكون ذلك للأسف باستخدام اخوان سوريا.

أما عن جانب المشروع المقاوم للهيمنة الأمريكية الصهيونية، وهو يتمثل في جبهة النصرة وبعض الفصائل الأخرى، فلا تظهر استراتيجية واضحة لهم، وربما لديهم ما يخبئونه للمستقبل، ولكن على ما يبدو أن هناك قدراً من التعاون والتنسيق مع"دولة العراق الإسلامية"، وإن كانت الأخيرة تبدو متخبطة في بعض قراراتها، وخصوصاً القرار الأخير بإعلان توحيد الجبهتين في العراق وسوريا في كيان واحد، بل ودولة أيضاً، وهو تكرار للخطأ في العراق، ولكن يبدو أن القيادات في سوريا تتمتع بقدر من الوعي السياسي والحركي، فسارعت إلى نفي هذا القرار، ولكنها اكدت على وحدة الفكرة في مقابل انفصال التنظيم، وهي خطوة جيدة في وجهة نظري. ولكن حتى الآن لا أعرف ماهي استراتيجية جبهة النصرة، وكيف ترى المرحلة القادمة، وكيف ستواجه اطرافاً متعددة (عسكرية وسياسية ومخابراتية).

إن نجاح أمريكا والنظام العالمي في احتواء الثورة في سوريا سيكون ختاماً لاحتواء الثورات العربية جميعاً، وإطالة في عمر النظام العالمي المنهار، ربما لبضعة عقود إضافية، هذا بالحسابات المادية، ولكن من يدري، لعل الله يحدث أمراً.

ملحوظة أخيرة: هذا المقال بناء على ما لدي من معلومات ومحاولتي لقراءة الواقع من خلالها، لذا فهو يحتمل الخطأ والصواب، بعض هذه المعلومات مما توافر عن طريق التقارير الصحفية، والبعض الآخر مما هو قادم من الأرض في سوريا. وهذه روابط لبعض التقارير والفيديوهات التي قد تدعم تحليلي:

تدفق أسلحة ثقيلة عبر الحدود الأردنية إلى قوى معتدلة في الجيش الحر -تصل بسرية عالية وتذهب لمجموعات بعينها لإضعاف شوكة «النصرة»

أميركا تراقب "متطرفي" سوريا لضربهم

الاخوان المسلمين يتعهدون لروسيا بدولة غير اسلامية

لهذا السبب امريكا و الغرب لا يرغبون بدعم ثورة سوريا

كلمة معاذ الخطيب في مؤتمر  "الإسلام والعدالة الإنتقالية في سوريا" والذي رفض فيه فكر القاعدة وجبهة النصرة ضمنياً

"الجيش الحر": لا علاقة للحر بجبهة النصرة، وادراجها او عدم ادراجها بلائحة الارهاب تهرب من حماية السوريين