كتبت في 14-10-2013
أخي العزيز عمر
اعرف انك لن تقرأ هذا الكلام، ولكني لا استطيع ان اتكلم عنك بصفة الغائب، فأنت حاضر في قلبي دوماً.. لا يمر علي يوم إلا وتذكرتك..
شهران كاملان مرا على رحيلك وأنا أحاول أن اكتب عنك ولكني لم استطع ..
مازال لساني معقوداً ومازالت عاجزاً عن الكلام والكتابة ولكني أدفع نفسي دفعاً لذلك..
كنت أتمنى أن اكون اديباً لأعبر عما في صدري ولكن للأسف لست كذلك..
أول مرة أراك فيها كانت في أوائل يناير 2013 في اليوم الذي اعددنا فيه قافلة للسفر إلى غزة، وشاء الله ألا أذهب مع القافلة لظروف شخصية، كان انطباعي الأول عنك هو أنك تخفي في داخلك أكثر مما تظهر بكثير، ولكني لم أتأكد من ذلك إلا بعد رحيلك، رأيت في عينيك ثقة واطمئناناً غريبين، كانا ملازمان لك دوماً..
بعد عودة القافلة كان الشباب يتكلمون عنك وعن أنك شخص طيب القلب لطيف المعشر، وقد أحبوك جميعاً..
التقينا مرات عديدة بعد ذلك ، كنت ألاحظ أنك لم تكن مهتماً بالاجتماعات واللقاءات، وكنت اظن ذلك نوعاً من عدم الانضباط يجب أن يعالج، وربما تكون الاهتمامات الدنيوية قد طغت عليك، لم أكن أعلم أنك مهموم بحال الأمة أكثر مني بكثير - وياريتني علمت - لم أكن أعلم أنك تعد نفسك للسفر إلى سوريا للجهاد وأن الانقلاب الذي حدث هنا في مصر قد دعاك لتغيير خططك..
لا زلت أذكر عندما ذهبنا في رحلة سويأ إلى "وادي دجلة"، واذكر عندما تولينا أنا وانت مسئولية التصوير وعندما اعطيتني هاتفك لأقوم بتصويرك، واذكر أنك كنت أقرأنا وأحفظنا للقرآن وكنت تصلي بنا إماماً، مازلت أذكر ذلك اليوم بكل تفاصيله، وقد احببتك كأنك أخي منذ ذلك اليوم..
لازلت أذكر عندما جاءتنا دعوة للقاء مرسي في قاعة المؤتمرات، وكانت مهمتي أن اتصل بالشباب لتشكيل وفد منهم، وكان ما أعرفه أنه لقاء لمرسي مع القوى والأحزاب الإسلامية، وعندما اتصلت بك تحفظت ورفضت بشدة لأنك ترفض أداء مرسي والأخوان وترى أنهم مخطئون، وقلت لي بالنص "أنا ماليش في الحاجات دي"، حتى عندما طلبت منك أن تخبر الشيخ هاشم والدك بالأمر توفيراً للوقت، اعتذرت عن ذلك وطلبت مني أن أبلغه بنفسي.. وأذكر جيداً أن هذا الموقف كان بالغ الأثر في نفسي وأنني بعد الحديث الذي دار بيني وبينك قررت ألا أذهب، ثم شاء الله أن ارتبط بظروف عائلية تمنعني من الذهاب.. وسبحان الله كأن قلبك رأي ما حدث، لقد كان اللقاء اشبه بمسرحية هزلية، وكان انطباع أغلب من ذهب من الشباب سلبياً ..
اذكر حين كنا في اعتصام النهضة – ليلة مجزرة الحرس الجمهوري – وقد رأيناك صدفة في الاعتصام ولم نكن نعلم بوجودك، ولم نعلم بعد ذلك أنك مقيم بشكل شبه دائم هناك..
وبعد فض الاعتصام اتصل بي محمود ليخبرني بأننا قد فقدنا الاتصال بك ولا نعرف عنك شيئاً، كنت أبحث عنك في الأسماء التي تنشر على الانترنت وأدعو الله أن نجدك، ثم توقفت عن البحث خشية أن اجد اسمك في قوائم الشهداء.. في ذلك الوقت كانت تتردد إشاعة أن هناك آلاف المعتقلين في استاد القاهرة وكنت أتمنى أن تكون منهم، وكنت أمني نفسي بذلك ..
وبعد ثلاثة أيام اتصل بي أحمد الكردي وهو يبكي، لم أكن أفهم منه شيئاً ولكني سمعت اسمك فاستنتجت على الفور، واتصلت بمحمود وعرفت منه أن والدك في الطريق إلى المشرحة للتعرف عليك، وظللنا نتابع الموقف حتى تأكدنا من صحة الخبر، عندها سلمت بالأمر وجلست أبكي..
عرفت بعد ذلك أن السفاحين قد قتلوك حرقاً وأن والدك وأختك تعرفوا عليك بعلامات في جسدك وبالخاتم الذي كنت ترتديه، كانت مشاعري مختلطة بين الغضب على ما فعلوه بك، وبين الحزن على فراقك، وبين الراحة لأننا وجدناك..
اذكر عندما وقف الشيخ هاشم - ثبته الله – يقرأ وصيتك، وكيف أنني عرفت عمر الآخر الذي لم أكن أعرفه..
اذكر عندما خرج النعش من المسجد ووضع في السيارة انفجر أغلبنا في البكاء..
اذكر جنازتك التي لم أر مثلها في حياتي، لا استطيع أن أصفها إلا كما وصفتها من قبل " الأم تزغرد .. الأب يوزع الشربات ويقول: "لا تعزوني بل هنئوني".. الأقارب والأصدقاء يضربون أبواق سياراتهم من امبابة وحتى 6 اكتوبر وكأنها "زفة عريس"، ويخرجون أيديهم من السيارات إما حاملين للمصاحف أو مشيرين بإشارة "رابعة".. وكلما تهدأ السيارات يهتف أحدهم "زفوا العريس" فتنطلق الأبواق ثانية .. وعند الوصول لصلاة الظهر في جامع الحصري تتحول إلى مظاهرة حاشدة تهتف بسقوط حكم العسكر" ..
صدقت الله فصدقك يا عمر..
رحمك الله يا أخي وأنزلك منازل الشهداء وألحقنا بك على خير..
وصية الشهيد - بإذن الله - عمر هاشم
أخي العزيز عمر
اعرف انك لن تقرأ هذا الكلام، ولكني لا استطيع ان اتكلم عنك بصفة الغائب، فأنت حاضر في قلبي دوماً.. لا يمر علي يوم إلا وتذكرتك..
شهران كاملان مرا على رحيلك وأنا أحاول أن اكتب عنك ولكني لم استطع ..
مازال لساني معقوداً ومازالت عاجزاً عن الكلام والكتابة ولكني أدفع نفسي دفعاً لذلك..
كنت أتمنى أن اكون اديباً لأعبر عما في صدري ولكن للأسف لست كذلك..
أول مرة أراك فيها كانت في أوائل يناير 2013 في اليوم الذي اعددنا فيه قافلة للسفر إلى غزة، وشاء الله ألا أذهب مع القافلة لظروف شخصية، كان انطباعي الأول عنك هو أنك تخفي في داخلك أكثر مما تظهر بكثير، ولكني لم أتأكد من ذلك إلا بعد رحيلك، رأيت في عينيك ثقة واطمئناناً غريبين، كانا ملازمان لك دوماً..
بعد عودة القافلة كان الشباب يتكلمون عنك وعن أنك شخص طيب القلب لطيف المعشر، وقد أحبوك جميعاً..
التقينا مرات عديدة بعد ذلك ، كنت ألاحظ أنك لم تكن مهتماً بالاجتماعات واللقاءات، وكنت اظن ذلك نوعاً من عدم الانضباط يجب أن يعالج، وربما تكون الاهتمامات الدنيوية قد طغت عليك، لم أكن أعلم أنك مهموم بحال الأمة أكثر مني بكثير - وياريتني علمت - لم أكن أعلم أنك تعد نفسك للسفر إلى سوريا للجهاد وأن الانقلاب الذي حدث هنا في مصر قد دعاك لتغيير خططك..
لا زلت أذكر عندما ذهبنا في رحلة سويأ إلى "وادي دجلة"، واذكر عندما تولينا أنا وانت مسئولية التصوير وعندما اعطيتني هاتفك لأقوم بتصويرك، واذكر أنك كنت أقرأنا وأحفظنا للقرآن وكنت تصلي بنا إماماً، مازلت أذكر ذلك اليوم بكل تفاصيله، وقد احببتك كأنك أخي منذ ذلك اليوم..
لازلت أذكر عندما جاءتنا دعوة للقاء مرسي في قاعة المؤتمرات، وكانت مهمتي أن اتصل بالشباب لتشكيل وفد منهم، وكان ما أعرفه أنه لقاء لمرسي مع القوى والأحزاب الإسلامية، وعندما اتصلت بك تحفظت ورفضت بشدة لأنك ترفض أداء مرسي والأخوان وترى أنهم مخطئون، وقلت لي بالنص "أنا ماليش في الحاجات دي"، حتى عندما طلبت منك أن تخبر الشيخ هاشم والدك بالأمر توفيراً للوقت، اعتذرت عن ذلك وطلبت مني أن أبلغه بنفسي.. وأذكر جيداً أن هذا الموقف كان بالغ الأثر في نفسي وأنني بعد الحديث الذي دار بيني وبينك قررت ألا أذهب، ثم شاء الله أن ارتبط بظروف عائلية تمنعني من الذهاب.. وسبحان الله كأن قلبك رأي ما حدث، لقد كان اللقاء اشبه بمسرحية هزلية، وكان انطباع أغلب من ذهب من الشباب سلبياً ..
اذكر حين كنا في اعتصام النهضة – ليلة مجزرة الحرس الجمهوري – وقد رأيناك صدفة في الاعتصام ولم نكن نعلم بوجودك، ولم نعلم بعد ذلك أنك مقيم بشكل شبه دائم هناك..
وبعد فض الاعتصام اتصل بي محمود ليخبرني بأننا قد فقدنا الاتصال بك ولا نعرف عنك شيئاً، كنت أبحث عنك في الأسماء التي تنشر على الانترنت وأدعو الله أن نجدك، ثم توقفت عن البحث خشية أن اجد اسمك في قوائم الشهداء.. في ذلك الوقت كانت تتردد إشاعة أن هناك آلاف المعتقلين في استاد القاهرة وكنت أتمنى أن تكون منهم، وكنت أمني نفسي بذلك ..
وبعد ثلاثة أيام اتصل بي أحمد الكردي وهو يبكي، لم أكن أفهم منه شيئاً ولكني سمعت اسمك فاستنتجت على الفور، واتصلت بمحمود وعرفت منه أن والدك في الطريق إلى المشرحة للتعرف عليك، وظللنا نتابع الموقف حتى تأكدنا من صحة الخبر، عندها سلمت بالأمر وجلست أبكي..
عرفت بعد ذلك أن السفاحين قد قتلوك حرقاً وأن والدك وأختك تعرفوا عليك بعلامات في جسدك وبالخاتم الذي كنت ترتديه، كانت مشاعري مختلطة بين الغضب على ما فعلوه بك، وبين الحزن على فراقك، وبين الراحة لأننا وجدناك..
اذكر عندما وقف الشيخ هاشم - ثبته الله – يقرأ وصيتك، وكيف أنني عرفت عمر الآخر الذي لم أكن أعرفه..
اذكر عندما خرج النعش من المسجد ووضع في السيارة انفجر أغلبنا في البكاء..
اذكر جنازتك التي لم أر مثلها في حياتي، لا استطيع أن أصفها إلا كما وصفتها من قبل " الأم تزغرد .. الأب يوزع الشربات ويقول: "لا تعزوني بل هنئوني".. الأقارب والأصدقاء يضربون أبواق سياراتهم من امبابة وحتى 6 اكتوبر وكأنها "زفة عريس"، ويخرجون أيديهم من السيارات إما حاملين للمصاحف أو مشيرين بإشارة "رابعة".. وكلما تهدأ السيارات يهتف أحدهم "زفوا العريس" فتنطلق الأبواق ثانية .. وعند الوصول لصلاة الظهر في جامع الحصري تتحول إلى مظاهرة حاشدة تهتف بسقوط حكم العسكر" ..
صدقت الله فصدقك يا عمر..
رحمك الله يا أخي وأنزلك منازل الشهداء وألحقنا بك على خير..
وصية الشهيد - بإذن الله - عمر هاشم