تمثيلية هزلية يقوم بها الإعلام المصري بعد إذاعة نبأ وفاة حفيد مبارك، فهم يتعاملون مع الأمر كأنه كارثة قومية، تذاع طوال اليوم الأغاني الدينية والأدعية، وحتى البرامج الحوارية –إن وجدت- فهي لا تفعل سوى أن تستضبف شيوخ أو علماء – أو ممن يحسبونهم كذلك- يتحدثون عن الموت والصبر في المصائب، ثم يتطور الأمر إلى الحديث عن أن ماحدث هو حزن لمصر كلها ومأساة في كل بيت، ويتكلم العلماء الجهلاء عن أنه كيف يصبر الشعب المصري على هذه المأساة –هكذا بمنتى الصراحة- ويتصل الفنانين والشخصيات العامة ويبكون في الهاتف أمام الجميع، فالكل يبحث عن تحقيق أكبر مكاسب من وراء هذا الأمر، فهم يتاجرون بوفاة طفل ليستحقوا مكانتهم ويكونوا جديرين بمناصبهم، فلو كان هؤلاء صادقون فلماذا لا يظهرون سوى الآن، أين كانوا عندما احترق القطار بالمئات من ركابه؟ أو عندما غرقت العبارة بالآلاف؟ أو عندما دفن العشرات تحت الصخور في الدويقة؟ أو عندما قتل ما يزيد عن ألف شخص في أسبوع واحد في غزة؟
اذكر موقفا مازال يملأ نفسي بالمرارة، في الأسبوع الأول من حرب غزة، وبعد استشهاد المئات، وفي كل ساعة كان العدد يزيد بمعدل سريع جدا، رحت أقلب قنوات التلفاز عسى أن أجد تنويها هنا أو هناك أو أي فاصل يعبر عن التعاطف أو التضامن،فلم أجد شيئا، والأدهى أنني وجدت على قناة النيل للدراما مذيعة تجلس وتتحدث عن الفيلم الذي حقق أرباحا أكثر هل هو "الدادة دودي" أم "رمضان مبروك أبو العلمين"، أغلقت التلفاز وأنا امنع نفسي بصعوبة من كسره، قنوات النيل هذه هي التي توقفت أمس عن بث جميع برامجها لمدة اربع وعشرين ساعة ولم تبث سوى الأغاني الدينية والأدعية،وعلى هذا المنوال استمر الإعلام المصري لا يتكلم عن الحرب سوى في الفواصل الإخبارية أو البرامج الحوارية التي تهاجم المقاومة، تحملت كمدا على كمدي وهما على همي وأنا أتابع هذه المهازل وللأسف لم يكون هناك بديل من متابعتها لأنني لم أدخل عصر القنوات الفضائية بعد.
بعد كل هذا تنفطر قلوبنا حزنا وهما على حفيد مبارك؟ بل المفترض أن نحمد الله تعالى أنه مات طفلا ولم يتلوث بفساد أسرة مبارك، وهو في الجنة بإذن الله.
كل هؤلاء المنافقين من مذيعين ومعدين ومعلقين وضيوف قد جاءوا يرتدون الملابس السوداء ويحملون كل العزاء، ويبكون مثل التماسيح، وكل وصلات النفاق السخيفة التي يبثونها أربعا وعشرين ساعة التي ليست لوجه الله، بل لوجه مبارك راعيهم وحاميهم، فلو كانوا يتقون الله لما فعلوا ذلك، لأنهم هم حقا المتاجرون بوفاة الطفل الصغير، وأقول في النهاية رحم الله الصغير ولكنه ليس أغلى من أطفال غزة، وليس أغلى من أي طفل يموت في أي وقت، فاتق الله يا مبارك في رعيتك وفي من تفرض عليهم الحصار فإنك ميت وإنهم ميتون.