20‏/11‏/2019

دفع الظلم ونصرة المستضعفين

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله

إن شاء الله في هذا المقال سنناقش مبدأ "دفع الظلم ونصرة المستضعفين" كقيمة إسلامية أصيلة غفل عنها الكثير من الناس، بل والكثير من الدعاة والشيوخ والعلماء أيضاً، وسوف نستعرض معا أدلتها من القرآن الكريم والسنة والنبوية الشريفة..

مبدأ "دفع الظلم" يندرج تحت باب "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وهو باب واسع للغاية، وقد وردت فيه آيات وأحاديث كثيرة جداً، وارتبطت به خيرية الأمة الإسلامية، وفي قوله تعالى: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ" (آل عمران: 110)، بل كان أحد الأسباب الرئيسية للعن بني اسرائيل، في قوله تعالى: "كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ" (المائدة: 79)، ولكن لأهمية مبدأ "دفع الظلم" وخصوصيته، فقد اختصته الآيات والأحاديث بالذكر منفرداً، ونحاول معاً أن نستعرض هذه الأفكار:

(1) تحريم الظلم

الله سبحانه وتعالى قد نفى صفة الظلم عن نفسه:
- "إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ" (يونس: 44).
- "إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ" (النساء: 40).

بل "حرمه" على نفسه – أي امتنع عنه تماماً - كما في الحديث القدسي:
- عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله سبحانه وتعالى أنه قال: "يا عبادي، إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي وجعلتُه بينكم محرَّمًا. فلا تظَّالموا" (صحيح مسلم).
فالظلم من أشد المحرمات، وقد توعد الله الظالم بالحساب على ظلمه:
- "وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ" (إبراهيم: 42).
- "إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ" (المائدة: 29).
وفي الحديث النبوي:
- "الظلمُ ظلماتٌ يومَ القيامةِ" (البخاري ومسلم).
- "من ظلمَ من الأرضِ شيئًا طوقه من سبعِ أرَضينَ" (البخاري ومسلم، واللفظ للبخاري).
- عن عبدالله بن مسعود "قلتُ يا رسولَ اللَّهِ ، أيُّ ظُلمٍ أظلَمُ فقالَ : ذراعٌ مِن الأرضِ ينتقِصُها المرءُ المسلمُ مِن حقِّ أخيهِ فليسَ حصاةٌ مِن الأرضِ يأخذُها إلَّا طُوِّقَها يومَ القيامةِ إلى قَعرِ الأرضِ ولا يعلمُ قعرَها إلَّا اللَّهُ الَّذي خلقَها: (حديث بإسناد حسن).

ووعد بأخذ حقوق المظلومين
- "الظلمُ ثلاثةٌ ، فظُلمٌ لا يغفرُهُ اللهُ ، وظلمٌ يغفرُهُ ، وظلمٌ لا يتركُهُ ، فأمّا الظلمُ الذي لا يغفرُهُ اللهُ فالشِّركُ ، قال اللهُ : إِنَّ الْشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ، وأمّا الظلمُ الذي يغفرُهُ اللَّهُ فَظُلْمُ العبادِ أنفسُهمْ فيما بينهُمْ وبينَ ربِّهمْ ، وأمّا الظلمُ الّذي لا يتركُهُ اللهُ فظُلمُ العبادِ بعضُهمْ بعضًا حتى يَدِينَ لبعضِهِمْ من بعضٍ" (حسنه الألباني - صحيح الجامع)
- "اتَّقُوا الظُلمَ ما اسْتَطَعْتُمْ فإنَّ العبدَ يَجِيءُ بِالحَسَناتِ يومَ القيامةِ يرَى أنَّها سَتُنْجِيهِ فما يزالُ عَبْدٌ يَقُومُ يقولُ : يا رَبِّ ظَلَمَنِي عبدُكَ مَظْلَمَةً ، فيقولُ : أتمُوا من حَسَناتِه ، ما يزالُ كذلكَ حتى ما يَبْقَى لهُ حسنةُ مِنَ الذنوبِ" (صححه الألباني)
- "يجيءُ الرجلُ يومَ القيامةِ من الحسناتِ ما يظنُّ أنه ينجو بها ، فلا يزال يقومُ رجلٌ قد ظلمَه مظلمةً ، فيُؤخَذُ من حسناتِه ؛ فيُعطَى المظلومُ حتى لا تَبقى له حسنةٌ ، ثم يجيءُ من قد ظلمَه ؛ ولم يبقَ من حسناتِه شيءٌ ، فيُؤخذُ من سيئاتِ المظلومِ فتُوضَعُ على سيئاتِه" " (صححه الألباني)

ووعد بإجابة دعوة المظلوم:
- "اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فإنَّه ليسَ بيْنَهُ وبيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ" (البخاري)
- "دعوةُ المظلومِ تُحمَلُ على الغَمامِ وتُفتَحُ لها أبوابُ السَّمواتِ ويقولُ الرَّبُّ تبارَك وتعالى : وعِزَّتي لَأنصُرَنَّكِ ولو بعدَ حِينٍ" (صحيح ابن حبان)

(2) تحريم الإعانة على الظلم

في الحديث:
- "مَن أعانَ علَى خصومةٍ بظُلمٍ ، أو يعينُ علَى ظُلمٍ ، لم يزَلْ في سخطِ اللَّهِ حتَّى ينزعَ" (صحيح ابن ماجه)
- "من أعان قومَه على ظُلمٍ فهوَ كالبعيرِ المُترَدِّي يَنْزِعُ بذَنَبِهِ" (صحيح - مسند أحمد)

(3) الأمر بدفع الظلم والأخد على يد الظالم

ولم يتوقف الإسلام عند تحريم الظلم والنهي عنه، بل دعا إلى دفع الظلم قدر المستطاع، ولا يشترط في دفعك للظلم أن يكون واقعاً عليك أو على القريبين منك، بل المبدأ هو دفع الظلم ونصرة المظلوم عامة:
- "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا . فقال رجلٌ : يا رسولَ اللهِ ، أنصرُه إذا كان مظلومًا، أفرأيتَ إذا كان ظالمًا كيف أنصرُه؟ قال : تحجِزُه، أو تمنعُه من الظلمِ فإنَّ ذلك نصرُه" (البخاري)
- " أمَرَنَا النبيُّ صلى الله عليه وسلم بسبعٍ ، ونهانا عن سبعٍ ، فذكَرَ: عيادةَ المريضِ ، واتباعَ الجنائزِ ، وتشميتَ العاطسِ ، وردَّ السلامِ ، ونصرَ المظلومِ ، وإجابةَ الداعي ، وإبرارَ المُقْسِمِ ". (البخاري)
- " أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مرَّ بناسٍ منَ الأنصارِ وهم جلوسٌ في الطريقِ فقال إن كنتم لابد فاعلين، فرُدوا السلامَ، وأعينوا المظلومَ، واهدوا السبيلَ" (حديث حسن)
- " لعلَّكم ستفتحونَ بعدي مَدائنَ عظامًا، وتتَّخذونَ في أسواقِها مجالسَ، فإذا كانَ ذلِك فردُّوا السَّلامَ، وغُضُّوا من أبصارِكم، واهدوا الأعمى، وأعينوا المظلومَ" (حديث حسن)
- "من مشى مع مظلومٍ حتى يُثْبِتَ له حقَّه ؛ ثبَّت اللهُ قدمَيه على الصِّراطِ يومَ تزولُ الأقدامُ" (حسنه الألباني)

وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الامتناع عن دفع الظلم عند القدرة على دفعه، وتوعد الممتنع بالعذاب يوم القيامة
- عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنهُ قال: أيُّها الناسُ إنَّكم تقرؤونَ هذهِ الآيةَ {يَا أَيُّهَا الذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، وإنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: "إنَّ الناسَ إذا رأوا الظالمَ فلم يأخذوا على يدَيهِ أوشكَ أن يَعُمَّهُمُ اللهُ بعقابٍ منهُ" (صحيح الترمذي).
- "لا يقِفنَّ أحدُكم موقفًا يُقتلُ فيه رجلٌ ظلمًا فإنَّ اللَّعنةَ تنزِلُ على كلِّ من حضر حين لم يدفعوا عنه ولا يقِفنَّ أحدُكم موقفًا يُضربُ فيه رجلٌ ظُلمًا فإنَّ اللَّعنةَ تنزِلُ على من حضره حين لم يدفعوا عنه" (إسناده حسن):
- "أُمِرَ بعبدٍ من عِبادِ اللهِ أنْ يُضْرَبَ في قبرِهِ مِائةَ جَلْدَةٍ ، فلمْ يَزَلْ يَسْأَلُ و يَدْعُو حتى صارَتْ جَلْدَةً واحدةً ، فَامْتَلأَ قَبْرُهُ عليهِ نارًا ، فلمَّا ارْتَفَعَ عنهُ و أفاقَ قال : على ما جَلَدْتُمُونِي ؟ قالوا :إِنَّكَ صَلَّيْتَ صَلاةً بغيرِ طُهورٍ ، و مَرَرْتَ على مَظْلومٍ فلمْ تَنْصُرْهُ" (صححه الألباني بإسناد جيد)
- "كيفَ يُقَدِّسُ اللهُ أُمَّةً لا يَأْخَذُ ضعيفُها حقَّهُ من قَوِيِّها، وهو غيرُ متَعْتَعٍ" (صحيح الجامع)
- " كيفَ يقدِّسُ اللَّهُ أمَّةً لا يؤخَذُ لضَعيفِهِم من شديدِهِم" (صحيح ابن ماجه)

وأمر الله تعالى المسلمين بمدافعة الظلم ولو بالقتال
- "وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا" (النساء: 75)

هذه الآية الكريمة قد جاءت في سياق حث المؤمنين على الجهاد في سبيل الله، وربطه بالقتال من أجل دفع الظلم عن المستضعفين المظلومين.

فكيف بحال الأمة الآن وقد سادها الظلم وساقها الظالمون، وقد امتنع الناس عن دفع الظلم فاستحقوا العذاب..